لق الله الملائكة من نور واشار الله عز وجل في كتابه الكريم في اكثر من موقع بأنها مخلوقات مأمورة لا تعصي الله وتنفذ أوامره بشكل دائم واختلف العلماء حول ما اذا كانت الملائكة تملك القدرة على معصية الله أو أنها لا تملك تلك القدرة لكنها مجبولة على طاعة الله وبغض النظر عن هذا الخلاف فالملائكة لا تعصي الله ما امرها وتفعل ما تؤمر تماما وهذا واضح بنص القرآن.
العجيب في هذا الأمر يتمثل في قصة بداية الخلق حيث قال تعالى (( انى خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعو له ساجدين )) وفي هذا أمر للملائكة أن تسجد لسيدنا آدم فور خلقه، وبالرغم من أن الملائكة لا تعصي الله ما أمرها وتفعل ما تؤمر إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تطرح تساؤلا استفساريا وليس استنكاريا حيث سألوا ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك))
موقف عظيم جدا ودرس من الله عز وجل لمن يعْتَبِر من بني البشر فبالرغم من أن الملائكة لا تعصي الله إلا أن هذا لم يمنعها من أن تتسائل وتحاول أن تفهم الحكمة من خلق آدم وهذا دليل على أن التساؤل ومحاولة المعرفة ليس مؤشرا للرفض وليس مؤشرا للجدل وليس مؤشرا للتطاول على ذات الله، فما بال بعض البشر من بني آدم يغضب عندما يوجه احدهم اليه تساؤلا عن قرار اتخذه أو آراء أو افكار يملكها؟ فهنا الله عز بعزته وجلاله التي لا حدود لها يتقبل تساؤل الملائكة بكل بساطة وسهولة بالرغم من أن هذا الأمر ليس من صلاحياتها وليس من شأنها، بل ويتفضل الله عز وجل ببيان حكمة الخلق من خلال تجربة معرفة سيدنا آدم للأمور التي بينت للملائكة أن الانسان قادر على الخير كما هو قادر على الشر، تجربة قامت بدون أي استنكار من الله عز وجل للملائكة وبدون أن يقول وهو مالك الملك العزيز الجبار المتكبر المهيمن (كيف تجرؤون على سؤالي ومراجعة قراراتي؟) كما يفعل البعض من بني الإنس اليوم.
النقطة الاخرى التي ينبغي عدم نسيانها هي أن الإنسان يملك حرية المعصية وحرية التصرف بع** الملائكة التي لا تملك سوى طاعة الله عز وجل وبالرغم من هذا تسائلت عندما لم تفهم ونظراً لأن الإنسان يملك العقل فمن الطبيعي أن يكون معدل تساؤلاته تجاه ما لا يفهم اكبر بكثير من الملائكة خاصة فيما يتعلق بقرارات البشر والمشكلة تحصل عندما يعطل الانسان قدرته على طرح هذه التساؤلات بسبب حواجز وهمية لم يضعها الله لنفسه في قصة خلق سيدنا آدم.
لننظر للمرآة ولنراجع أنفسنا ونفكر في ردود افعالنا تجاه من يناقش قراراتنا وافكارنا، فالهدف هو أن يراجع كل منا نفسه اولا وليس الهدف ان نفكر في تصرفات الآخرين وردود افعالهم تجاه من يناقش آرائهم لأن كل واحد منا لا يملك القدرة على التحكم في ردود افعال الآخرين ولكنه يملك التحكم في ما يفعله هو ومن الأولى أن ينشغل الإنسان بنفسه بدلا من غيره فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
لنخرج انفسنا من صندوق الخوف والتردد ونطرح تساؤلاتنا تجاه تلك الأمور التي لا نفهمها وإن لم يجبنا احد فلنبحث بأنفسنا على اجابات لتساؤلاتنا من خلال المصادر الموثوقة والمختصة أومن خلال التجارب التي تصمم بطريقة تختبر وتتحقق من الاجابات الممكنة لتساؤلاتنا، لنستمر في التساؤل لأنه بوابة الابداع والاكتشافات، والحظر على التساؤل في الواقع هو حظر على طرق التفكير من خارج الصندوق الذي هو احد أساسيات الابداع.
ملاحظة: هذه التدوينة هي خاطرة كانت تراودني منذ سنوات وتشابه عنوانها مع عنوان كتاب لدكتور الرياضيات المسلم جيفري لانغ حتى الملائكة سألت (Even Angles Asked) وهذا التشابه هو مجرد صدفة لأني لم اقرأ الكتاب ولا اعرف مضمونه، وبالمناسبة سبق لجيفري لانغ وأن كتب كتاب الصراع من اجل الاستسلام (Struggling to Surrender) الذي يحكي فيه قصة صراعه المستمر مع الآيات القرآنية والذي انتهى به للد*** في الاسلام.